فصل: كِتَابُ الطَّلَاقِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الطَّلَاقِ:

.بَابُ طَلَاقِ السُّنَّةِ:

قَالَ: (الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ، وَبِدْعِيٌّ.
فَالْأَحْسَنُ: أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَيَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، فَإِنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا الرَّجُلُ ثَلَاثًا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَامَةِ وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي الْكَرَاهَةِ.
الشرح:
كِتَابُ الطَّلَاقِ:
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ. انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِابْنِ عُمَرَ: إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا، فَتُطَلِّقَهَا لِكُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً».
قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُمْ عَنْ الْحَسَنِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَهِيَ حَائِضٌ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتْبَعَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الْقُرْأَيْنِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ، قَدْ أَخْطَأْت السُّنَّةَ، وَالسُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ، فَتَطْلُقَ لِكُلِّ قُرْءٍ، فَأَمَرَنِي فَرَاجَعْتهَا، فَقَالَ: إذَا هِيَ طَهُرَتْ فَطَلِّقْ عِنْدَ ذَلِكَ، أَوْ أَمْسِكْ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا أَكَانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ فَقَالَ: لَا، كَانَتْ تَبِينُ مِنْك، وَتَكُونُ مَعْصِيَةً»، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَعَلَّهُ بِمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ، وَقَالَ: رَمَاهُ أَحْمَدُ بِالْكَذِبِ. انْتَهَى.
قُلْت: لَمْ يُعِلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ إلَّا بِعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ أَتَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِزِيَادَاتٍ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، لَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ. انْتَهَى.
قُلْت: قَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ صَالِحًا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ رَدِيءَ الْحِفْظِ، كَثِيرَ الْوَهْمِ، فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَسَنُ بِسَمَاعِهِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ صَالِحٍ: الْحَسَنُ سَمِعَ مِنْ ابْن عُمَرَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَقِيلَ لِأَبِي زُرْعَةَ: الْحَسَنُ لَقِيَ ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ انْتَهَى كَلَامُهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعُمَرَ: «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا»، وَكَانَ قَدْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضُ، فَتَطْهُرُ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ حَائِضٌ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: قَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً، سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَذَلِكَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّه، كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّلَاقِ وَفِي التَّفْسِيرِ وَفِي الْأَحْكَامِ، وَالْبَاقُونَ فِي الطَّلَاقِ.
(وَالْحَسَنُ هُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ).
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَا يُبَاحُ إلَّا وَاحِدَةً، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْوَاحِدَةِ.
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا فَتُطَلِّقَهَا لِكُلِّ قَرْءٍ تَطْلِيقَةً» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ فَالْحَاجَةُ كَالْمُتَكَرِّرَةِ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا، ثُمَّ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخَّرَ الْإِيقَاعُ إلَى آخَرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كُلَّمَا طَهُرَتْ، لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا وَمَنْ قَصْدُهُ التَّطْلِيقَ فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ (وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَكَانَ عَاصِيًا).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: كُلُّ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ، حَتَّى يُسْتَفَادَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ لَا تُجَامِعُ الْحَظْرَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَا الطَّلَاقُ.
وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ، وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ، وَهِيَ فِي الْمُفَرَّقِ عَلَى الْأَطْهَارِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا وَالْحَاجَةُ فِي نَفْسِهَا بَاقِيَةٌ فَأَمْكَنَ تَصْوِيرُ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا، وَالْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ لَا تُنَافِي الْحَظْرَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَا إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ فِي الطُّهْرِ الْوَاحِدِ بِدْعَةٌ لِمَا قُلْنَا.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ.
قَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةٍ زَائِدَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ، وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا (وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ عَنْ وَجْهَيْنِ: سُنَّةٌ فِي الْوَقْتِ وَسُنَّةٌ فِي الْعَدَدِ، فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا) وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا (وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ تَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ) لِأَنَّ الْمُرَاعَى دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ.
أَمَّا زَمَانُ الْحَيْضِ فَزَمَانُ النَّفْرَةِ وَبِالْجِمَاعِ مَرَّةً فِي الطُّهْرِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ (وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ) خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ يَقِيسُهَا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا.
وَلَنَا أَنَّ الرَّغْبَةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا صَادِقَةٌ لَا تَقِلُّ بِالْحَيْضِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ مِنْهَا، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَتَجَدَّدُ بِالطُّهْرِ.
قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لَلسُّنَّةِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى) لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ} إلَى أَنْ قَالَ: {وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ الْحَيْضِ خَاصَّةٌ حَتَّى يُقَدَّرَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّهَا بِالشَّهْرِ وَهُوَ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ.
ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ، وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَهُمَا يُكَمَّلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَازَاتِ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَا يَفْصِلَ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْحَيْضِ، وَلِأَنَّ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ وَإِنَّمَا تَتَجَدَّدُ بِزَمَانٍ وَهُوَ الشَّهْرُ.
وَلَنَا أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ الْحَبَلُ فِيهَا وَالْكَرَاهِيَةُ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِاعْتِبَارِهِ، لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَشْتَبِهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ وَالرَّغْبَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَفْتُرُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ لَكِنْ تَكْثُرُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ فِرَارًا عَنْ مُؤَنِ الْوَلَدِ فَكَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ رَغْبَةٍ فَصَارَ كَزَمَانِ الْحَبَلِ (وَطَلَاقُ الْحَامِلِ يَجُوزُ عَقِبَ الْجِمَاعِ) لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْعِدَّةِ وَزَمَانُ الْحَبَلِ زَمَانُ الرَّغْبَةِ فِي الْوَطْءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ أَوْ يَرْغَبُ فِيهَا لِمَكَانِ وَلَدِهِ مِنْهَا فَلَا تَقِلُّ الرَّغْبَةُ بِالْجِمَاعِ (وَيُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ ثَلَاثًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ).
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَزُفَرُ: (لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ الْحَامِلِ لَيْسَ مِنْ فُصُولِهَا فَصَارَ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا.
وَلَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ وَالشَّهْرِ دَلِيلُهَا كَمَا فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَهَذَا، لِأَنَّهُ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجِبِلَّةُ السَّلِيمَةُ فَصَلَحَ عِلْمًا وَدَلِيلًا بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا، لِأَنَّ الْعِلْمَ فِي حَقِّهَا إنَّمَا هُوَ الطُّهْرُ وَهُوَ مَرْجُوٌّ فِيهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا مَعَ الْحَبَلِ (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ) لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَا يَنْعَدِمُ مَشْرُوعِيَّتُهُ.
(وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعُمَرَ: «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا وَقَدْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ» وَهَذَا يُفِيدُ الْوُقُوعَ وَالْحِنْثَ عَلَى الرَّجْعَةِ ثُمَّ الِاسْتِحْبَابُ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَرَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَدَفْعًا لِضَرَرِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ.
قَالَ: (فَإِذَا طَهُرَتْ وَحَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الْأُولَى) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ: مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا.
وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ طَلَاقَيْنِ بِحَيْضَةٍ، وَالْفَاصِلُ هَاهُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَتُكَمَّلُ بِالثَّانِيَةِ وَلَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ.
وَإِذَا تَكَامَلَتْ الْحَيْضَةُ الثَّانِيَةُ فَالطُّهْرُ الَّذِي يَلِيه زَمَانُ السُّنَّةِ فَأَمْكَنَ تَطْلِيقُهَا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي الْحَيْضِ، فَيُسَنُّ تَطْلِيقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيه (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَلسُّنَّة وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةً) لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ وَوَقْتُ السُّنَّةِ طُهْرٌ لَا جِمَاعَ فِيهِ (وَإِنْ نَوَى أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى) سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَهِيَ ضِدُّ السُّنَّةِ.
وَلَنَا أَنَّهُ مُحْتَمَلُ لَفْظِهِ لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَهُ بِالسُّنَّةِ لَا إيقَاعًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ وَيَنْتَظِمُهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ (وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَقَعَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى) لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا دَلِيلُ الْحَاجَةِ كَالطُّهْرِ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ وَقَعْنَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِمَا قُلْنَا) بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الثَّلَاثِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِيهِ، لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَعْمِيمُ الْوَاقِعِ فِيهِ، فَإِذَا نَوَى الْجَمْعَ بَطَلَ تَعْمِيمُ الْوَقْتِ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ.

.فصلٌ:(ممن يقع الطلاق؟):

(وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» وَلِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْعَقْلِ الْمُمَيِّزِ وَهُمَا عَدِيمَا الْعَقْلِ وَالنَّائِمُ عَدِيمُ الِاخْتِيَارِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ».
قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَجْرِ بِلَفْظِ: الْمَعْتُوهِ، عِوَضَ: الْمَجْنُونِ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ، إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ»، انْتَهَى.
وَرُوِيَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ: فَذَكَرَهُ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «لَا يَجُوزُ عَلَى الْغُلَامِ طَلَاقٌ حَتَّى يَحْتَلِمَ»، انْتَهَى.
(وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
هُوَ يَقُولُ إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُجَامِعُ الِاخْتِيَارَ، وَبِهِ يُعْتَبَرُ التَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ بِخِلَافِ الْهَازِلِ، لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ بِالطَّلَاقِ.
وَلَنَا أَنَّهُ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مَنْكُوحَتِهِ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ، فَلَا يُعَرَّى عَنْ قَضِيَّتِهِ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ اعْتِبَارًا بِالطَّائِعِ، وَهَذَا، لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ وَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا، وَهَذَا آيَةُ الْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُخِلٍّ بِهِ كَالْهَازِلِ.
الشرح:
أَحَادِيثُ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ: لِأَصْحَابِنَا فِي وُقُوعِهِ حَدِيثٌ، رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا الْغَازِيُّ بْنُ جَبَلَةَ الْجُبْلَانِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ غَزْوَانَ الطَّائِيِّ أَنَّ: «رَجُلًا كَانَ نَائِمًا فَقَامَتْ امْرَأَتُهُ، فَأَخَذَتْ سِكِّينًا، فَجَلَسَتْ عَلَى صَدْرِهِ، فَوَضَعَتْ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ، فَقَالَتْ: لَتُطَلِّقَنِّي ثَلَاثًا، أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ، فَنَاشَدَهَا اللَّهَ، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ»، انْتَهَى.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ الْغَازِيِّ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ صَفْوَانَ الْأَصَمِّ الطَّائِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ رَجُلًا كَانَ نَائِمًا مَعَ امْرَأَتِهِ، الْحَدِيثُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَكِنَّهُ أَحْسَنُ إسْنَادًا مِنْ الْمُسْنَدِ، فَإِنَّهُ سَالِمٌ مِنْ بَقِيَّةَ، وَمِنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، وَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَهُوَ يُرْوَى عَنْ شَامِيٍّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْغَازِيِّ بْنِ جَبَلَةَ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ، وَلَا يَدْرِي مِمَّنْ الْجِنَايَةُ فِيهِ، أَمِنْهُ أَمْ مِنْ صَفْوَانَ الْأَصَمِّ؟ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ يَعْنِي الْغَازِيَّ بْنَ جَبَلَةَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: لِصَفْوَانَ الْأَصَمِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُمْ أَجَازُوهُ، وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ قَوْلُ الْحَسَنِ: لَيْسَ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ إنَّمَا كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يُكْرِهُونَ الرَّجُلَ عَلَى الْكُفْرِ وَالطَّلَاقِ، فَذَلِكَ الَّذِي لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا مَا صَنَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ بَيْنَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَشُرَيْحٍ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ:
وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ سَمِعْت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إغْلَاقٍ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: أَظُنُّهُ الْغَضَبُ يَعْنِي الْإِغْلَاقَ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْإِغْلَاقُ الْإِكْرَاهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَقَدْ فَسَّرَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا بِالْغَضَبِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَعُمُّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَضَبَ، وَالْجُنُونَ، وَكُلَّ أَمْرٍ انْغَلَقَ عَلَى صَاحِبِهِ عِلْمُهُ وَقَصْدُهُ، مَأْخُوذٌ مِنْ غَلَقَ الْبَابَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ، وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَابِتٍ الْأَحْنَفِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَدَعَانِي ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَإِذَا بِسِيَاطٍ مَوْضُوعَةٍ، وَقَيْدَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ، وَعَبْدَيْنِ قَدْ أَجْلَسَهُمَا، وَقَالَ لِي: تَزَوَّجْت أُمَّ وَلَدِ أَبِي بِغَيْرِ رِضَائِي، فَأَنَا لَا أَزَالَ أَضْرِبُك حَتَّى تَمُوتَ، ثُمَّ قَالَ: طَلِّقْهَا وَإِلَّا فَعَلْت، فَقُلْت: هِيَ طَالِقٌ أَلْفًا، فَلَمَّا خَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ أَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِطَلَاقٍ، ارْجِعْ إلَى أَهْلِك، فَأَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَجُلًا تَدَلَّى بِحَبْلٍ فَوَقَفَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى رَأْسِ الْحَبْلِ، وَحَلَفَتْ لَتَقْطَعَنَّهُ، أَوْ لِتُطَلِّقْنِي ثَلَاثًا، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلَمَّا ظَهَرَ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى أَهْلِك، فَلَيْسَ هَذَا بِطَلَاقٍ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْطَأَ أَبُو عُبَيْدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِهِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَقَالَ فِيهَا: فَرَفَعَ إلَى عُمَرَ فَأَبَانَهَا مِنْهُ، وَقَدْ تَنَبَّهَ لَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بِخِلَافِهِ، وَالْخَبَرُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قُدَامَةُ الْجُمَحِيُّ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ لِمُكْرَهٍ طَلَاقٌ، وَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ) وَاخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَصْدِ بِالْعَقْلِ وَهُوَ زَائِلُ الْعَقْلِ فَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ.
وَلَنَا أَنَّهُ زَالَ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ بَاقِيًا حُكْمًا زَجْرًا لَهُ، حَتَّى لَوْ شَرِبَ فَصُدِّعَ وَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ نَقُولُ إنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ.
الشرح:
الْأَحَادِيثُ فِي طَلَاقِ السَّكْرَانِ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ أَنَّ عُمَرَ أَجَازَ طَلَاقَ السَّكْرَانِ بِشَهَادَةِ نِسْوَةٍ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ قَالُوا: يَجُوزُ طَلَاقُهُ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ: مَنْ طَلَّقَ فِي سُكْرٍ مِنْ اللَّهِ، فَلَيْسَ طَلَاقُهُ بِشَيْءٍ، وَمَنْ طَلَّقَ فِي سُكْرٍ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُجِيزُ طَلَاقَ السَّكْرَانِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُجِيزُهُ حَتَّى حَدَّثَهُ أَبَانُ بِذَلِكَ، وَأَخْرَجَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَطَاوُسٍ كَانُوا لَا يُجِيزُونَهُ، وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ طَلَاقِ السَّكْرَانِ، فَقَالَ: إذَا طَلَّقَ السَّكْرَانُ جَازَ طَلَاقُهُ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، انْتَهَى (وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ وَاقِعٌ بِالْإِشَارَةِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مَعْهُودَةً، فَأُقِيمَتْ مَقَامَ الْعِبَارَةِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، وَسَتَأْتِيك وُجُوهَهُ فِي آخَرِ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَدَدُ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ»، وَلِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِكِيَّةِ كَرَامَةٌ وَالْآدَمِيَّةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لَهَا، وَمَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ.
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ»، وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا، وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعَمِ إلَّا أَنَّ الْعُقْدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَكَامَلَتْ عُقْدَتَانِ، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّ الْإِيقَاعَ بِالرِّجَالِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ.
قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الطَّلَاقُ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ»، قَالَ: وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَنْبَأَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ غُلَامًا لَهَا طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ، فَاسْتَفْتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ»، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
أَثَرٌ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: وَفِي الْمُوَطَّإِ أَيْضًا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَبْدًا كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ، فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُمَا، فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا، فَقَالَا: حَرُمَتْ عَلَيْك، حَرُمَتْ عَلَيْك. انْتَهَى.
وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
فَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيثٌ مَجْهُولٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا، إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ، وَمُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْعِلْمِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ. انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ حَدِيثًا آخَرَ، رَوَاهُ مُظَاهِرٌ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ عَشْرَ آيَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، مِنْ آخَرِ آلِ عِمْرَانَ»، انْتَهَى.
قُلْت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَنَقَلَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَ مُظَاهِرٍ هَذَا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ فَقَطْ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِحَدِيثِ: طَلَاقُ الْأَمَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا لَهُ حَدِيثًا آخَرَ، وَمَا أَظُنُّ لَهُ غَيْرَهُمَا، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ حَدِيثَ: طَلَاقُ الْأَمَةِ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَعْنِي حَدِيثَ عَائِشَةَ بِسَنَدِ السُّنَنِ وَمَتْنِهِ، وَصَحَّحَهُ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ تَضْعِيفَ مُظَاهِرٍ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيّ، وَالْبُخَارِيِّ، وَنُقِلَ تَوْثِيقُهُ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ: مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَهُ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ، وَلَا يُعْرَفَانِ إلَّا عَنْهُ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ مُظَاهِرٍ هَذَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: سُئِلَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عِدَّةِ الْأَمَةِ، فَقَالَ: النَّاسُ يَقُولُونَ: حَيْضَتَانِ، وَإِنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَدْ رَوَاهُ صَفْدِيُّ بْنُ سِنَانٍ عَنْ مُظَاهِرٍ، فَقَالَ فِيهِ: طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، إنْ ثَبَتَ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ ضَعَّفُوهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَبْدًا، انْتَهَى.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبِيبٍ الْمُسْلِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ نَافِعٌ، وَسَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَأَيْضًا فَعَطِيَّةُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ بِسَنَدِهِ: قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: فَذَكَرْته لِمُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ، فَقُلْت: حَدِّثْنِي كَمَا حَدَّثْت ابْنَ جُرَيْجٍ، فَحَدَّثَنِي مُظَاهِرٌ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ» قَالَ: وَمُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي مَشَايِخِنَا بِجَرْحٍ، فَإِذًا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ يُعَارِضُ هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ مُعَتِّبٍ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ أَبَا حَسَنٍ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ اسْتَفْتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فِي مَمْلُوكٍ كَانَتْ تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ أُعْتِقَا بَعْدَ ذَلِكَ، هَلْ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَضَى بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الطَّلَاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَلْمِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ الرَّجُلِ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَه»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَسَلْمُ بْنُ سَالِمٍ، كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُكَذِّبُهُ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
أَثَرٌ: عَنْ عُمَرَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ، وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ بِحَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرَيْنِ، أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ.
(وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ امْرَأَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَطَلَّقَهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ) لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَكُونُ الْإِسْقَاطُ إلَيْهِ دُونَ الْمَوْلَى.